انكسار انسانه .
عدد الرسائل : 1300 العمر : 42 تاريخ التسجيل : 03/10/2008
| موضوع: بـرٌّ المربين الأربعاء أكتوبر 29, 2008 10:44 pm | |
| بـرٌّ المربين لأن البر هو التوسع بالإحسان لمن قدَّم للإنسان معروفاً مميزاً، فإن أحق الناس بالبر بعد الوالدين هم المربون الذين يعلمون الآخرين العلم والأخلاق، وهي مهمة تختلف عن مهمة العلماء الذين يمنحون العلم للطلاب، ثم تنتهي مهمتهم عند هذا الحد، بينما يستمر المربي في التعليم، والتربية، والمتابعة، مستهدفاً غرس الأخلاق والسلوك الذي أمر به الله تعالى رسوله الكريم ص في شخصية المتربي. وفي هذا البحث ـ الذي ننشره على حلقات ـ نتناول أهمية بر المربين، وكيف يكون هذا البر بهم عموماً، وخصوصاً بين أبناء الحركة الإسلامية التي أنجبت وتنجب كل يوم العشرات من هؤلاء المربين النجباء. جاء في المعجم الوسيط أن معنى كلمة "البر": التوسع في الطاعة، وبرَّ فلان ربه: توسع في طاعته، وبرَّ والديه برَّاً: توسع في الإحسان إليهما ووصلهما فهو بار، ولأن الوالدين هما أحق الناس بصحبة الإنسان، جاء الأمر ببرهما في الكتاب والسنة، وقرن الله عبادته ببرهما، وجعل رضاه مقترناً برضاهما، ذلك لما لهما من الفضل بعد الله في تربية الأبناء وتنشئتهم، والسهر عليهم، والإنفاق، وغيرها من الأمور التي يعجز عنها من البشر سواهما. والأمر مشابه بالنسبة للمربين لذلك كان الناس في العصور الخيرة وخاصة الخلفاء والأمراء يستأجرون هؤلاء المربين لتربية أبنائهم بسبب كثرة انشغالاتهم في رعاية الرعية، وتلاشت مثل هذه الصنعة جيلاً بعد جيل، حتى اختفت تماماً في عصرنا الحالي، وأصبحت محصورة في الحركات الإسلامية، ومحاضنها التربوية. فالمربي في الحركة الإسلامية يأخذ على عاتقه مهمتي: "التعليم والتربية"، وقد يأخذ منه هذا الجهد مع الفرد الواحد ما يزيد على خمس سنوات، حتى يتسلم مجموعة أخرى من الأفراد، ليبدأ المشوار معهم. هذا الجهد الكبير في التربية من هؤلاء المربين الربانيين في الماضي والحاضر، يستحق الإحسان والتوسع فيه ليس من باب المكافأة بقدر ما هو تكملة للعملية التربوية، إذ يكون البر للمربين جزءاً من تربية الأفراد في الحركة الإسلامية على مجموعة أخرى من الأخلاق والسلوك، كما أن عملية بر المربين لون من ألوان الوفاء لمن أسدى إلينا معروفاً، وأي معروف. ولقد استعرت كلمة "بر" التي كادت تكون خاصة بالوالدين ها هنا، لإعطاء هؤلاء المربين الذين يقومون بهذه المهمة العظيمة حقهم، فيما يقومون به من جهد كبير في صناعة رجال تقوم على أكتافهم مهمات تعجز عنها الجبال، حتى تلمس الفرق بين من تربى على أيدي العلماء والدعاة، وتلقى منهم العلم والأخلاق، ومن كانوا بعيداً عن التربية. قال الإمام أبو علي الثقفي: "ومن لم يأخذ أدبه من آمر له وناهٍ يريه عيوب أعماله، ورعونات نفسه، لا يجوز الاقتداء به في تصحيح المعاملات. الصحابة هم السادة : كثيرون هم الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فقد كانوا في عام الفتح فقط عشرة آلاف صحابي، ولكن لماذا لم يبرز من هذا العدد الكبير بعد ذلك وحتى وفاة النبي ص إلا أقل من ألف منهم؟؟ إنها سنة الله التي جعلت الناس يختلفون في همهم وهممهم، وآلامهم وآمالهم، لذلك كانت حكمة الله البالغة التي جعلت من الجنة درجات، وليست درجة واحدة، وذلك بسبب تفاوت الهمم، فقد كان من الصحابة من لايفارق النبي ص البتة، إلا إذا دخل بيته، وكان منهم من يصاحبه حتى في خلواته، ويحمل ماءه عندما يقضي حاجته، وعند وضوئه، ومنهم من رآه في عمره مرة أو مرتين، وروى حديثاً واحداً عنه. وبين هذا وذاك أصناف كُثُر، فأقرب الصحابة إليه وأكثرهم احتكاكاً به ص الخلفاء الراشدون، لذلك كانوا أبرز الناس، وكانوا هم السادة من بعده، لأنهم كانوا أكثر الناس أخذاً من علمه وأخلاقه، وأكثرهم فهماً لهذا الدين. كذلك أولئك الذين برزوا وهم التابعون وتابعو التابعين، بالرغم من أعدادهم التي فاقت أعداد الصحابة، إنما برزوا وسادوا واتخذهم الناس قدوات لهم بسبب احتكاكهم بعلماء الصحابة، ومن تبعهم. فعلى مقدار الاحتكاك والاتباع من القدوات والمربين العلماء، على مقدار ما يحصل للتابعين من سيادة بين الدعاة، وبروز بين الناس من غير أن يطلب هذه السيادة أو ذلك البروز، لكنها النتيجة الحتمية لذلك الاتباع، والتعلق. ولهذا كان الإمام الجيلاني يقول لأحد أتباعه من الدعاة: "تعلق بي حتى تعبر، وكأن ذلك التابعي الذي يتربى على يد الشيخ لا يتقن السباحة، ولا يستطيع الاعتماد على نفسه في عبور هذا النهر أو البحر، وكأن المربي يحني نفسه له، ويقول له "تعلق بي حتى تعبر" فإذا ما وجد في نفسه زهواً، وظن أنه أصبح عالماً، ولم يعد يحتاج لعلم من رباه، فتركه ظاناً أنه يستطيع العبور من دونه قبل أن يتعلم فن العبور، فإن مآله للغرق، هذا هو الدرس الأول الذي نتعلمه من الإمام القدوة الجيلاني، فلا سيادة إلا لمن يقتدي، وأول البر بالمربين هو الاقتداء والاتباع بما صح نقله عن القدوة الأول نبينا ص. لا تكن كالشاة : لم يسطع نجم لعالم من علماء الدنيا سواء في الدين أو علوم الدنيا، إلا كان من أبرز صفاته التعامل مع ما يقرأ أو يسمع من العلم الذي برز فيه. هكذا كان الخالدون من الصحابة الكرام ـ رضي الله عنهم، ما أن يسمعوا الكلمة من النبي ص حتى يتفاعلوا معها بأحاسيسهم، ثم يتحول ذلك الإحساس إلى عمل، وسلوك، وترجمة واقعية لما سمعوه، فكم من الكلمات والسلوك يقوله ويفعله المربون الدعاة لأتباعهم، ولكن كم من هذه الكلمات، والأفعال يتم التفاعل معها؟ لقد حزَّ هذا الجمود والتبلد في الإحساس والتفاعل في نفس سيد التابعين الحسن البصري فقال لأحدهم: لا تكن شاة الراعي أعقل منك تزجُرها الصيحة، وتطردها الإشارة. إن جمعاً كبيراً من أعداد الدعاة يدورون في دوائر الدعوة المباركة، ويرتعون في محاضنها، ويتلقون أطنان الكلمات والعبارات التربوية، ولكنهم يأبون إلا أن تكون شاة الحسن البصري أفقه منهم، في جمود وتبلد في الحس أقرب إلى الجماد منه إلى من تدبُّ في أوصاله الحياة. ومن الإمام البصري وشاته نتعلم الدرس الثاني في بر المربين عندما نتفاعل مع الكلمة ونحولها إلى سلوك.
منقول | |
|
نونة الشعنونة _
عدد الرسائل : 561 العمر : 36 تاريخ التسجيل : 28/09/2008
| موضوع: رد: بـرٌّ المربين الجمعة أكتوبر 31, 2008 2:06 pm | |
| | |
|
انكسار انسانه .
عدد الرسائل : 1300 العمر : 42 تاريخ التسجيل : 03/10/2008
| موضوع: رد: بـرٌّ المربين الجمعة أكتوبر 31, 2008 8:14 pm | |
| | |
|