سئل الشيخ/ عبدالعزيز بن باز –رحمه الله- عن سؤال مشابه لسؤالك، نذكر لك فيما يلي نصّ السؤال والإجابة:
س: ما حكم مس المصحف بدون وضوء أو نقله من مكان لآخر؟ وما الحكم في القراءة على الصورة التي ذكرت؟
ج: لا يجوز للمسلم مس المصحف وهو على غير وضوء عند جمهور أهل العلم، وهو الذي عليه الأئمة الأربعة –رضي الله عنهم-، وهو الذي كان يفتي به أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-، وقد ورد في ذلك حديث صحيح لا بأس به، ومن حديث عمرو بن حزم –رضي الله عنه-، أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كتب إلى أهل اليمن: "أن لا يمس القرآن إلا طاهر" رواه مالك في الموطأ (46
والدارمي في سننه (2266) وهو حديث جيد له طرق يشد بعضها بعضاً.
وبذلك يعلم أنه لا يجوز مس المصحف للمسلم إلا على طهارة من الحدث الأكبر والأصغر، وهكذا نقله من مكان إلى مكان، إذا كان الناقل على غير طهارة.
لكن إذا كان مسه أو نقله بواسطة، كأن يأخذه في لفافة أو في جرابه، أو بعلاقته فلا بأس، أما أن يمسه مباشرة وهو على غير طهارة فلا يجوز على الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم؛ لما تقدم، وأما القراءة فلا بأس أن يقرأ وهو محدث عن ظهر قلب، أو يقرأ ويمسك له القرآن من يرد عليه ويفتح عليه فلا بأس بذلك.
لكن الجنب صاحب الحدث الأكبر لا يقرأ؛ لأنه ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه كان لا يحجبه شيء عن القراءة إلا الجنابة انظر ما رواه الترمذي (146) والنسائي (265) أبو داود (229) وابن ماجة (594) من حديث علي – رضي الله عنه - وروى أحمد (874) بإسناد جيد عن علي –رضي الله عنه-، قال: هكذا رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – توضأ ثم قرأ شيئاً من القرآن، ثم قال: "هذا لمن ليس بجنب، أما الجنب فلا، ولا آية"
والمقصود: أن ذا الجنابة لا يقرأ لا من المصحف ولا عن ظهر قلب حتى يغتسل، وأما المحدث حدثاً أصغر وليس بجنب فله أن يقرأ عن ظهر قلب ولا يمس المصحف.
وهنا مسألة تتعلق بهذا الأمر، وهي مسألة الحائض والنفساء، هل تقران أم لا تقران؟
في ذلك خلاف بين أهل العلم:
منهم من قال: لا تقران، وألحقهما بالجنب.
والقول الثاني: أنهما تقران عن ظهر قلب دون مس المصحف؛ لأن مدة الحيض والنفاس تطول، وليستا كالجنب؛ لأن الجنب يستطيع أن يغتسل في الحال يقرأ، أما الحائض والنفساء فلا تستطيعان ذلك إلا بعد طهرهما، فلا يصح قياسهما على الجنب لما تقدم.
فالصواب: أنه لا مانع من قراءتهما عن ظهر قلب، هذا هو الأرجح؛ لأنه ليس في الأدلة ما يمنع ذلك، بل فيها ما يدل على ذلك، فقد ثبت في الصحيحين البخاري (1650)، ومسلم (1211) ، عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال لعائشة – رضي الله عنها - لما حاضت في الحج: "افعلي كما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري"، والحاج يقرأ القرآن، ولم يستثنه النبي –صلى الله عليه وسلم-، فدل ذلك على جواز القراءة لها، وهكذا قال لأسماء بنت عميس – رضي الله عنها - لما ولدت محمد بن أبي بكر – رضي الله عنهما - في الميقات في حجة الوداع انظر ما رواه مسلم (1209) من حديث عائشة – رضي الله عنها - فهذا يدل على أن الحائض والنفساء لهما قراءة القرآن، لكن من غير مس المصحف.
وأما حديث ابن عمر – رضي الله عنهما - عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن" رواه الترمذي (131) وابن ماجة (596)، فهو حديث ضعيف، في إسناده إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، وأهل العلم بالحديث يضعفون رواية إسماعيل عن الحجازيين ويقولون: إنه جيد في روايته عن أهل الشام أهل بلاده، لكنه ضعيف في روايته عن أهل الحجاز، وهذا الحديث من روايته عن أهل الحجاز فهو ضعيف. [مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، تأليف الشيخ/عبدالعزيز بن باز –رحمه الله-، ج10 صـ149]